منذ بداية عصر التقنية وهناك من ينادي بحماية خصوصية المستخدمين وهم أناس نراهم معظم الأوقات مبالغون جدا في كلامهم لدرجة أنه يطلق عليهم اسم مجانين أو متعصبين. لطالما كان هناك من ينادي بحرية المستخدم المطلقة وهناك من ينادي بفصل الحكومات من التقنية وهناك من يطالب بتوقيف الشركات من السيطرة على أي شيء تقني في حياتنا.
لطالما كنا نسمع من يخبرك باستخدام لينيكس للحفاظ على خصوصيتك أو أن لا تستخدم خدمات جوجل في الهاتف أو الكمبيوتر من أجل الحفاظ على خصوصيتك ولطالما كان هناك رد موحد من المستخدمين الأقل خبرة في هذا المجال: “ليس لدي ما أخسره”. في الحقيقة لديك ما تخسره ولكنك لا تفهم قيمته ولا تعلم أنك تقوم بخسارته.
بالإضافة إلى ما سبق، كان هناك دائما حركات متطرفة تدعو لأن يقوم المستخدم باستضافة خدماته لديه في المنزل. يعني لو أردت أن يكون لديك بريد، قم بعمل خادم بريد في منزلك. أو في حال أردت أن يكون لديك تخزين سحابي، قم بتشغيله في منزلك. هذا من وجهة نظر الجميع عبارة عن تطرّف شديد وليس له مبرر حقيقي. اليوم سوف نكتب عن قصة حقيقية حصلت في الولايات المتحدة الأمريكية والتي ستجبرك على إعادة التفكير بمبدأ “ليس لدي ما اخسره”.
شاء من شاء، وأبى من أبى، مستقبلنا سيكون إما تقني إلى أبعد الحدود، أو بدائي إلى أبعد الحدود. في حال كان بدائي، لا داع لقراءة هذا المقال، ولكن في حال كان تقني، هذا المقال عبارة عن نظرة إلى المستقبل ومجموعة نصائح يجب العمل بها والبناء عليها ليكون لدينا مستقبل آمن وفكر ثابت نعتمد عليه في أمننا ووجودنا مستقبلا.
أليكسا: أنت ممنوع من استخدام منزلك.
يتحدث براندون اليوم عن مشكلة حصلت في منزله الذكي. هذا المنزل آلي بشكل كبير جدا ومزود بأنظمة مراقبة ومساعد رقمي ذكي من أمارون. هذا المساعد الرقمي قادر على الرد على المكالمات، الحديث مع الزوار، والعديد من الأمور الأخرى. هذا الشخص لاحظ في أحد الأيام أن منزله الذكي توقف عن العمل. أليكسا لا ترد عليه، والأنوار لا تعمل، والجرس لا يتعرف على الزوار ولا يراهم حتى. أول ما خطر في باله هو وجود عطل أو حالة اختراق للنظام، وبالتالي قام بالتوجه إلى خدمة العملاء ومنهم حصل على واحد من أسخف الأخبار في حياته: تم إيقاف وصولك لمنزلك الذكي بسبب ألفاظ عنصرية صدرت من المنزل الذكي.
عامل التوصيل
القصة بدأت عندما تم توصيل طرد لمنزل براندون وهو غير متواجد فيه. كما جرت العادة، المنزل الذكي يقوم بالترحيب بالزوار من خلال جملة واحدة هو قادر على قولها: “المعذرة، هل يمكنني مساعدك؟”. على ما يبدو، قام عامل التوصيل بتوصيل الطرد بشكل صحيح، وعند أبتعاده عن المنزل، قام الجرس الذكي في المنزل بتشغيل تسجيل صوت الترحيب من جديد، عامل التوصيل هنا كان يرتدي سماعات على أذنيه ويبدو أنه تهيئ سماع كلمة عنصرية موجهه ضده وقام بالشكوى لشركة أمازون. من طرفهم، قامت شركة أمازون بإيقاف وصول براندون لأجهزته الذكية وبدون أدنى تنبيه أو طلب توضيح للحادثة.
في المقابل وعندما حصل الرجل على سبب لتعطل أجهزته، قام فورا بفحص كاميرات المراقبة التي يعج منزله بها، وشاهد اللحظة المنشودة والتي بسببها أصبح أسير منزله. في الحقيقة، لم يكن هناك كلمات عنصرية، وجرس المنزل كان والحمد لله جهاز محترم وغير عنصري. وبعد أن ارسل براندون الادلة الدامغة لأمازون، بقي حساب الرجل معطل و وصوله إلى منزلة الذكي محظور! الموضوع استمر لمدة أسبوع كامل، وبعد أسبوع تم فك الحظر عن المنزل بدون أي بلاغ من أمازون أو توضيح لسبب التأخير أو طريقة التعامل مع المشكلة.
أجهزة أمازون
أمازون مثل أي شركة لها باع طويل في حياة المستخدمين الشخصية، تسعى جاهدة للسيطرة على كل جزء من حياة الناس، وجهاز إكو هو واحد من أفضل الاختراعات وأشهرها في السيطرة الكاملة على المنزل من الداخل والخارج. جهاز إكو ونظام ألكسا يعتبروا قمة في المرونة والتكامل وهم من أشهر أجهزة المساعد الرقمي الموجودة اليوم في العالم. براندون يدرس وبجدية التخلي عن جميع أجهزة أمازون في منزله واستخدام بديل آخر أقل تطرّف فيما بتعلق بتعطيل أجهزة المستخدمين بدون سبب، ولكن ما هو البديل؟ جهاز جوجل؟ أو جهاز أبل؟
التعامل مع الحادثة
شركة أمازون لم تتعامل مع الحادثة بشكل صحيح أو احترافي. بدلا من إرسال تحذير أو التواصل مع مالك المنزل للحصول على توضيح لما حصل، قامت الشركة فورا بوقف حساب براندون بدون أي تنبيه ولا تحذير ولا توضيح لما حصل. هذا يدل على مشكلة خطيرة في دعم لعملاء في شركة أمازون ويدعوك أنت عزيزي القارئ للتساؤل: اليوم، منزل براندون. غدا؟ جهاز تنفس جدتي؟ أم جهاز تنظيم دقات قلب صديقي؟ أم سيارتي؟ هل أنا مهدد في كل لحظة بفقدان حياتي بالكامل بسبب شخص تهيئ سماع شيء؟
ما بين الراحة والحرّية
معظم الناس اليوم يفضلون الراحة على أي شيء آخر وبطريقة ما يُقنعون أنفسهم بأن لهم كامل الحرية في حياتهم وأنهم المتحكمون بها. هذا النوع من الخيال ضروري لحياتهم فبدونه يمكنهم مشاهدة العالم الحقيقي على ما هو عليه، سجن تقني عملاق يتحكم به عدد قليل جدا من السجّانين.
تتجه الشركات بشكل عام إلى إحكام سيطرتها على ممتلكاتك بعلم أو بدون علم، ولعل أشهر الأمثلة على ذلك هو شركة أبل وإغلاقها لمنافذ الهاتف بدون تفسيرات منطقية. من خلال هذه السيطرة تتمكن أبل من فتح وإغلاق الهاتف، تتبعه وحتى تعطيله متى تشاء.
من الأمثلة الحديثة على هذا النوع من التحكم هو سيارات تسلا و BMW واللواتي تقدم لك منتج كامل ومتكامل وتدفعك لدفع سعر السيارة بالكامل، ولكن تحرمك من استخدام هذه المميزات بدون دفع إضافي. على الرغم من وجود العتاد الذي قمت أنت بدفع ثمنه بالكامل، أنت ممنوع من استخدامه بدون إذن من الشركة.
والآن لدينا شركة أمازون والتي تحرمك من دخول منزلك أو استخدامه بدون أن تقوم بالتحقق معك من الأسباب ولا حتى إبلاغك بالأمر. كما ذكرنا من قبل، شئت أم أبيت، التقنية هي مستقبلك وقريبا حتى الكوخ المتواضع الخاص بك سيكون تقني وكأنه مركبة فضائية من أحد أفلام الخيال العلمي. وهنا سوف يكون منزلك في يد شخص ما قد لا تثق به وقد يحرمك دخول منزلك بضغطة زر.
عشرات آلاف الحسابات الإلكترونية تُغلق شهريا لأسباب متفاوته ما بين أن رأيك السياسي لا يعجب شخصا ما، أو أن دينك لا يلائم شخصا ما، أو أن ثقافتك لا تُعجب شخصا ما. اليوم أنت غير مستهدف، ولكن حاول أن تبدي رأيك في موضوع عام مثل مواضيع الشذوذ الجنسي وشاهد كيف تختفي حياتك أمام ناظريك.
حلول غير قابلة للتنفيذ
هنا يأتي دورك لتعترض وتشكي وتقول، الحلول الموجودة اليوم غير قابلة للتطبيق. هل تتوقع من المستخدم العادي استضافة نظام ذكاء اصطناعي في منزله؟ هل تحتاج إلى خادم خارق فقط من أجل تشغيل باب المنزل؟ هذا أمر سخيف.
في الحقيقة، كلامك صحيح. ما عدا جزئية الكمبيوتر الخارق. الحلول الموجودة اليوم هي حلول غير قابلة للتطبيق. نسبة الأشخاص التقنيين في العالم ضئيلة ونسبه من يرغب منهم في المساعدة هي أقل من ضئيلة. في الوقت الحالي، الناس المستهدفين من قبل هذا المقال ليس لديهم العلم الكافي ولا التقنية اللازمة لقراءة المقال وأخذ الحيطة والحذر من هذه الأمور.
مع التقدم السريع في حياتنا التقنية، هناك أناس أقل في كل مره قادرين على المواكبة وعلى استخدام التقنية بشكل صحيح، هذا يفرض على الناس الوثوق بالشركات العالمية من أجل الحصول على التقنيات وتشغيلها وهذا هو أساس المشكلة.
حلول مقترحة
للأشخاص العاديين، هناك عدد محدود من الخيارات الفعلية. يمكنك إما أن تستضيف خدماتك بنفسك أو أن تثق بجهات خارجية أقل خطورة من الشركات العملاقة.
الأشخاص المتفوقون تقنيا
بالنسبة لك كشخص متفوق تقنيا على غيرك، قم باستضافة خدماتك الحساسة في منزلك. الذكاء الصناعي اليوم لا يحتاج إلى كمبيوترات خارقة، هناك من قام بتشغيل ذكاء صناعي محدود على جهاز رازبريباي. باستخدام جهاز أقوى قليلا، يمكنك إدارة خادم كامل قادر على التفاعل الذكي معك ومع المنزل، ويمكنك تضمين عدد كبير جدا من الخدمات فيه. في حال احتجت خدمة لا يمكنك تامين وجودها لديك بشكل محلي، حاول قدر الإمكان عدم توفير معلومات شخصية تزيد عن الحاجة لاستخدام الخدمة وحاول أن تبقى مجهول قدر الإمكان.
الأشخاص المحدودين تقنيا
كونك محدود تقنيا ليس عيبا فيك. قدراتك التقنية المحدودة قد تكون بسبب تفوقك في مجال الطب أو الهندسة أو التجارة أو البناء أو غيرها من المجالات. التقنية هي مجال مثل أي مجال أخرن وكما أنا اعتمد على الطبيب في الحفاظ على حياتي، هو يعتمد على معرفتي التقنية من اجل تأمين منزلة الذكي.
في حال كنت غير متمكن من الأمور التقنية، الحلول المقترحة بالنسبة لك هي أقل ملائمة من المقترحة للشخص المتفوق تقنيا وهو نعود لنفس المشكلة السابقة وهي حاجتك للاعتماد على طرف خارجي والوثوق به بشكل أعمى.
الخاتمة
بشكل عام، هناك الكثير لتتعلمه وتعلمه في العالم التقني وعلى الرغم من كون خيارات محدودة، الوعي بالمشكلة هو أهم خطوة في حل الإشكاليات والتغلب على المشكلة. كونك واعي بوجود هذه المشاكل هو أول خطوة لتحمي نفسك وتتحول من مستهلك سجين، إلى مستخدم حر بما تملك.