واتساب، تيليجرام، سيجنال والخصوصية

تفاجئ العالم منذ عدد من الأيام برسالة من واتساب عند تشغيل التطبيق تفرض عليهم القيام بإختيار أحد الخيارين: إما ترك واتساب للأبد، أو الموافقة على سياسة خصوصية لا يوجد فيها شيء من الخصوصية سوى العنوان “سياسة الخصوصية”

بسبب هذه الرسالة كان تكوّنت ردات الفعل الهائجة والمتباينة على المستوى العالمي، فهناك من قرر الإستمرار وهناك من قرر الإبتعاد والبحث عن البدائل بشكل فوري. من بين الأشخاص الذين تسببوا برد الفعل الشديد كان إيلون مسك صاحب عدد من الشركات أهمها باي بال، تيسلا، وسبيس إكس. قام السيد مسك بالإدلاء بتصريح إعلامي دعا فيه الناس للإنتقال الى بديل أفضل من ناحية الخصوصية وهو برنامج سيجنال المغمور.

في لينيكس العرب قررنا الوقوف على هذا الموضوع وتوضيح عدد من المغالطات و المفاهيم والأخطاء وتوجيه العموم الى الإختيار السليم بدون أي مفاهيم خاطئة وفي طريقنا لذلك سنقوم بتسليط الضوء على ما حدث، ما المترتب على ما حدث وما الذي يمكنك عمله كمستخدم.

ما الذي حصل

في السابع من يناير لهذا العام، قامت شركة واتساب المملوكة من قبل واتساب بما وعدوا وكرروا مرارا وتكرارا أنهم لم ولن يقوموا به مهما كانت الأسباب. قاموا بتغيير سياسة الخصوصية للتطبيق لتتحول من “نحترم خصوصيتك بعض الشيء” إلى “سنقوم ببيعك وأنت تنظر في عيوننا” وهذا التغيير سبب ردات فعل شديدة على المستوى الدولي.

في الحقيقة هذا التغيير لم يكن شيء مستبعد وكان أمر يقترب من التحقق يوما بعد يوم ومن أهم الأمور التي دلت على ذلك هو خدمة اسمها “Facebook Super Sync” تم من خلالها دمج محادثات انستغرام ومدير صفحات فيسبوك مع تطبيق المراسلة “Messenger” الخاص بفيسبوك.

البيانات التي سيجمعها واتساب

ابتداءً من الثامن من فبراير، سيقوم تطبيق واتساب بتطبيق سياسة الخصوصية الجديدة والتي تسمح للشركة بجمع كم كبير من المعلومات الإضافية عن المستخدمين ويمكن تلخيصها بالتالي:

في حال كنت من مستخدمي خدمة WhatApp Pay، سيكون التطبيق قادر على جميع معلومات بخصوص التعاملات المالية التي تم القيام بها والجهات التي تتعامل معها ماليا من خلال التطبيق. بالإضافة الى ما سبق، سيتم جمع معلومات عامة عنك كمستخدم وعن الجهاز الخاص بك مثل: هوية العتاد الخاص بالهاتف، نظام التشغيل، مستوى شحن البطارية، قوة إشارة الشبكة، نسخة التطبيق، معلومات المتصفح، معلومات الشبكة الخليوية، معلومات الإتصال (يشمل رقم الهاتف، مشغل الشبكة، ومزود خدمات الإنترنت)، لغة الجهاز والمنطقة الزمنية، عنوان IP، كشف بالعمليات العاملة في الهاتف، معلومات تعريفية خاصة بالمستخدم بما في ذلك معلومات تعريفية تخص فيسبوك مثل هوية المستخدم في فيسبوك.

بالإضافة الى ذلك سيتم جمع معلومات الموقع، طريقة استخدام التطبيق، والاندماج في خدمات الطرف الثالث مثل يوتيوب. ولزيادة الطين بلة، واتساب يتنصل من أي مسؤولية عن تطبيقات الطرف الثالث مثل النسخ الاحتياطي إلى Google Drive أو Apple iCloud ويخبرك أن هذه النسخ الإحتياطية تخضع لسياسات خصوصية الشركات المزودة للخدمات الخارجية.

لماذا الآن؟ ما الذي حصل؟

في الحقيقة هذا ليس بالشيء الجديد. هذا التحديث جاء ليفسر لك ما الذي كان يحصل منذ سنوات. هناك وعلى ما يبدو سببين لهذا التحديث المفاجئ: الأول هو تغييرات في سياسات الخصوصية الخاصة بالإتحاد الأوروبي والتي أجبرت واتساب على تبني سياسة خصوصية جديدة والتي تجبر التطبيق على الاحتفاظ ببيانات المستخدمين الأوروبيين في الإتحاد الأوروبي، والتغييرات الجديدة في سياسات الخصوصية على أنظمة iOS والتي تفرض على واتساب طلب جمع هذه البيانات من المستخدمين قبل المباشرة بالتجسس عليهم. بعد هذا التحديث تبين أن تطبيق فيسبوك على سبيل المثال يقوم بطلب سحب جميع أنواع البيانات التي يمكن سحبها من النظام!

بالتالي وبعد هذه التغييرات التي هددت بإيقاف خدمات فيسبوك في قارة كاملة وأجهزة مستخدمين Apple، تقرر خضوعهم لهذه التغييرات والكشف عما كانوا يقومون به بكل سرية في الأعوام الماضية. هذه السياسة الجديدة ستسمح لفيسبوك و واتساب بجمع هذه المعلومات عنك بشكل قانوني وبدون أي عواقب قانونية في المستقبل. هذه التغييرات تسمح لفيسبوك بتطبيع عملية جمع البيانات حتى من خلال التطبيقات التي نزعم إستخدام تشفير من نوع الند-للند.

هل سيتمكن أحد من مشاهدة محادثاتي؟

حسب زعم شركة واتساب، المحادثات والمكالمات ستبقى مشّفرة بتشفير من نوع الند-للند وبالتالي ليس لديهم الوسيلة للوصول إلى هذه البيانات وقراءتها حتى لو سحبوها من جهازك.

في الوقت الحالي ليس هناك من يثير الشك أو ما يسمح لنا بالإعتقاد أن فيسبوك أو واتساب لديهم القدرة على فك هذا التشفير ولكن نود أن نحثك على عدم إساءة إستخدام الخدمة في أمور لا يجب للعامة الإطلاع عليها أو في أمور شديدة السرية. دائما استخدم الخدمات الخاصة بك شخصيا عند الحاجة لتناقل معلومات حساسة.

ما العمل الآن؟

في الحقيقة، رد الفعل الهائل والمبالغ فيه كان نتيجة عدم فهم الناس لما حدث. هذه المعلومات كانت تُجمع منك بدون علمك وإقرارك بذلك وهنا نقول قد عفى الله عما سلف. أنت الآن تقرر المستقبل وليس لك شأن بما سبق. المعلومات التي تم جمعها منك ستبقى وكل ما هو لديهم سيقى وأنت الآن ستحدد علاقتك معهم للمستقبل لا أكثر.

الآن وقد فهمت ما حصل، لديك طريقين كما أخبروك في الرسالة، الطريق الأسهل هي أن تبقى ويتم جمع معلوماتك بعلمك وهو ما أعتقد شخصيا أن معظم الناس سيقومون به، والطريق الثاني هو الإنتقال الى تطبيق تراسل فوري آخر والذي قد يضمن لك سياسات خصوصية أفضل ويمنحك بعض الخصوصية الحقيقية.

هل هناك بدائل؟

في الحقيقة هناك عدد من البدائل الممتازة. هذا النوع من التغييرات يسبب دائما تسليط الضوء على البدائل المغمورة وحتى التسبب في ظهور بدائل من قبل كل من يرغب في ركوب هذه الموجة والإستفادة منها. نذكر اليوم عدد من البدائل الموثوقة والموجودة منذ زمن وتم التأكد من جودة خدماتهم.

1- تطبيق Session

الكلمة Session معناها “جلسة” بالعربية. ستفهم الرابط في الأسطر القليلة المقبلة.

تطبيق Session موجودة منذ زمن ليس بالبعيد وهو بديل واعد جدا لتطبيق واتساب. من مميزات هذا التطبيق:

  • تشفير من نوع الند للند
  • يعتمد على تقنية الكتل المتسلسلة “Blockchain”
  • لا مركزي
  • لا يحتاج الى رقم هاتف
  • لا يقوم بجمع البيانات
  • يسمح بإنشاء مجموعات مغلقة أو مفتوحة
  • مكالمات صوتية
  • يعمل على جميع الأنظمة
  • مفتوح المصدر

تطبيق Session هو نسخة من Signal ولكن هذا التطبيق يخطو خطوة للأمام ولا يتطلب منك رقم هاتف حتى يقوم بتسجيلك للخدمة.

عند التسجيل في التطبيق سيتم إنشاء هوية “جلسة” خاصة بك لتقوم بمشاركة الرقم مع غيرك من المستخدمين. عند قيامك بإزالة التطبيق ستفقد رقم الجلسة الخاص بك ولن تتمكن من اعادة استخدام حسابك من جديد، وبذلك ننصحك بالحفاظ على الرقم في مكان آمن.

على عكس Signal، التطبيق لا يستخدم خادم مركزي ولا قواعد بيانات عادية وهو يعتمد على تقنية الكتل المتسلسلة وخوادم لا مركزية وهذا من شأنه زيادة مستوى الأمان بشكل ملحوظ ولكن له تأثير سلبي من خلال بطئ إستقبال وإرسال الرسائل.

2- تطبيق Signal

هذا التطبيق موجود منذ فترة طويلة نسبيا وهو منافس شرس لتطبيق واتساب. من أهم مميزات التطبيق:

  • تشفير من نوع الند للند
  • تقريبا لا يجمع المعلومات ما عدا رقم هاتف
  • يدعم الـ emoji والملصقات
  • يسمح بإنشاء وإدارة المجموعات
  • قادر على عمل محادثات صوتية وفيديو
  • متوافق مع جميع الانظمة
  • مفتوح المصدر

هذا التطبيق يعتبر الحل الأمثل حيث أنه يجمع بين عدد كبير من المميزات وفي نفس الوقت سهل ويسير على المستخدم العادي. التطبيق يعتبر الخليط الأمثل ما بين المميزات والخصوصية التي يوفرها كل شيء مفتوح المصدر.

المشكلة في التطبيق ولأنه لا يقوم بتخزين أي شيء من بياناتك هي فقدان جزء من المراسلات على وكيل سطح المكتب حيث أن المزامنة قد لا تتم دائما عند إغلاق الوكيل في الكمبيوتر. بالإضافة الى ذلك التطبيق يعتمد على النسخ الإحتياطي المحلي المشفر، هذا يعني عدم وجود مزامنة عبر الإنترنت لمحادثاتك وبالتالي عدم قدرتك على إستعادة النسخة الإحتياطية الى جهاز أخر أو نفس الجهاز عبر الإنترنت كما هو الحال في واتساب.

3- تطبيق Telegram

هذا التطبيق موجود من أن وُجد التطبيق Signal ولكن لسبب ما تمكن من الصعود بقوة وأصبح مستخدم بشكل أوسع. من مميزات هذا التطبيق:

  • تشفير من نوع الند للند
  • يعتمد على السحابة في تخزين المحادثات وبالتالي لا داعي لعمل النسخ الاحتياطي
  • قادر على إنشاء مجموعات خاصة وقنوات عامة
  • محادثات فيديو وصوت
  • يوفر خصوصية أفضل من واتساب
  • يدعم الـ emoji والملصقات
  • مفتوح المصدر من جهة المستخدم فقط

قد لا يكون Telegram البديل الأفضل، ولكنه أفضل من واتساب. بشكل إفتراضي، المحادثات غير مشفرة في هذا التطبيق ويتوجب عليك تفعيل هذه الخاصة بشكل منفرد للحصول على محادثات مشفرة ولكن على ما يبدو ستفقد القدرة على استعادة ومزامنة هذه الرسائل بين أنظمة التشغيل المتعددة.

4- تطبيق Threema (تطبيق مدفوع)

هذا التطبيق يعتبر بديل ممتاز جدا لتطبيق واتساب وخدماته بشكل عام. في بداياته كان مغلق المصدر ولكن الآن التطبيق مفتوح المصدر بالكامل. من أهم مميزاته:

  • تشفير الند للند للمحادثات
  • لا يتطلب رقم هاتف
  • يسمح بإنشاء و إدارة المجموعات
  • يدعم عمل الاستطلاعات
  • يدعم المكالمات الصوتية والفيديو
  • مقر الشركة في سويسرا المعروف بأن لديهم أفضل سياسات خصوصية على مستوى العالم
  • متعدد الأنظمة ولكن بدون دعم حقيقي للكمبيوتر. يمكن استخدام خدمات التطبيق عبر الويب فقط
  • مفتوح المصدر

التطبيق يقدم واحدة من أفضل سياسات الخصوصية ويحتوي على جميع المميزات التي قد ترغب في وجودها في تطبيق المراسلة، ولكن هذه المميزات والخصوصية تأتي بسعر حيث أن التطبيق غير مجاني.

الآثار المترتبة على هذه التغيير

كما ذكرنا مسبقا، هذا ليس بتغيير أو أي شيء جديد. لطالما كان هذا هو الأمر الواقع ولكنك الآن على علم بما يحدث. علمك بالأمور التي تدور من حولك هو أهم جزئية من هذا الموضوع حيث انه يمكنك الآن التصرف بما تراه مناسب لك شخصيا.

هذا المقال جاء ليلقي الضوء على ما حصل فعلا و لتوضيح الكثير من الأمور التي تحدث بها مئات الأشخاص سواء بعلم أو بدون علم لما يتحدثون به ونحن نحاول توضيح الفكرة وإيصال صورة كاملة للموضوع بدون تحيز ولا ردات فعل عنيفة أو مبنية على المشاعر.

من الواضح أنه يمكنك الإستمرار بإستخدام تطبيق واتساب أو جميع خدمات فيسبوك حيث أنها جميعا مرتبطة بنفي السياسات ونفس البيانات يتم جمعها على أي من منصات فيسبوك ويمكنك أيضا الإنتقال الى منصات اخرى فلا يوجد من يجبرك على استخدام خدمات فيسبوك.

من المهم أن تعلم أنه في حال تركت خدمات فيسبوك ستخسر أمور قد تراها مهمة أو قد لا تستخدمها نهائيا ومن أهمها القاعدة الجماهيرية الهائلة في حال كنت راغب في عمل إعلانات لمصلحتك التجارية مثلا. ولكن في حال كنت مجرد مستخدم عادي كل ما تريده هو التواصل مع محيطك، فالبدائل متوفرة بكثرة وهي تتحسن بشكل مستمر.

على الصعيد الآخر، هذا العلم الذي أصبح لديك سيفتح الباب للعديد من الأطراف الجديدة للدخول في المجال مما يوسّع أبواب المنافسة ويزيد التنوع والخيارات المتاحة للمستخدمين و يُفقد الشركات الكبيرة جزء من سيطرتها على العالم الرقمي.

نود أن ندعوك أيضا للتبرع بمبلغ ولو كان زهيدا لأي من الخدمات التي ستستخدمها حيث أن مساهمتك تعني لهم الكثير وتحفزهم لتوفير خدمات أفضل.